أخذ القلم زمامه قائلاً : تراجعي .. هنا سأروي مواجعي, وبدأ في سرد سلسلة أحداث يظن البعض أنها مفككة لا رابط بينها و لا انسجام .
إن أصحاب الأقنعة الرحيمة وجهان لعملة واحدة فالكفر و أهله يُبرِزان العداوة للإسلام و المسلمين ظاهرا و باطناً خداعاً و تُقية , و لو رجعنا بالتاريخ لزمن السلطان عبد الحميد يرحمه الله في آخر العهود التي كان الغرب يدفع فيها الجزية و هم صاغرون , تتضح لنا أبرز جهود أول الوجوه عندما ضاق ذرع الدول الأوروبية بتلك السيطرة و عظيم السلطة حائرين متفكرين كيف يمكنهم النجاة من قبضة الخلافة الإسلامية .
و مع عَقْدِ اليهود مؤتمرهم الصهيوني الأول في بال بسويسرا 1897 م ، برئاسة تيودور هرتزل رئيس الجمعية الصهيونية ، و الذي اتفقوا فيه على تأسيس وطن قومي لهم يكون مقرًا لأبناء عقيدتهم في فلسطين و قرروا برتوكولات حكماء صهيون ، و اتصل هرتزل بالسلطان عبد الحميد مرارًا ليقنعه بالسماح لليهود بالانتقال إلى فلسطين ، و الذي كان رده الرفض ، ثم زار السلطان بنفسه و قدَّم له الإغراءات بإقراض الخزينة العثمانية أموالاً طائلة و هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية و قد كان السلطان في تلك الفترة يقوم ببناء سكة حديد الحجاز المعروفة و التي كانت همزة وصل بين العاصمة العثمانية و المدينة المنورة مروراً بالشام و التي فزع الغرب من قرار إنشائها لِما لها من دور اقتصادي و سياسي في عصر لا وجود فيه لوسائل الاتصال السريعة باستثناء البريد ؛ و تحالفوا في شن حملات الدعاية السيئة ضده في صحف أوروبا وأمريكا محاولين الضغط عليه و إثنائه عن متابعة العمل على ذلك المشروع الكبير .
لكن السلطان رفض بشدة عرض هرتزل وطرده من مجلسه قائلاً : (( إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل . إن أرض فلسطين ليست ملكي إنما هى ملك الأمة الاسلامية ، و ما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع , و ربما إذا تفتت إمبراطوريتى يوما يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل )) ، ثم أصدر أمرًا بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين.
و كأنه أعطاهم الحل لكل مشاكلهم على طبقٍ من ذهب …
و نتيجة لموقف السلطان الصارم و الصامد قرروا الإطاحة به و إبعاده عن الحكم و فرح الغرب بذلك المقترح اليهودي و استعانوا بالقوى المختلفة الحانقة على المسلمين كالماسونية ، و الجمعيات السرية كجمعية الاتحاد والترقي و غيرهما , ثم وصلت الدولة العثمانية لنهايتها في ثنايا الحرب العالمية الأولى فارتاح الغرب من كابوس الدولة الإسلامية و التي يدين لها بالولاء كل المسلمين و إن لم تحكمهم حكما مباشرا لأنها تمثل الخلافة الإسلامية و وحدة الأمة , و أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني و حصل اليهود من رئيس وزرائها بلفور على وعد مفاده إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين . و حرروا أقلامهم لإنشاء الدولة اليهودية عام 1948 م و كانت الأمم المتحدة من أوائل المقرين بها .
و يظهر الوجه الثاني بصورة المحبة و المودة مستغلاً فهم عوام المسلمين المحدود لقوله تعالى : ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ) ” المائدة 82 ” و قد قال أحدهم : ( يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم ) . و أول من نادى بهذا الوجه المُقَّنع ملك فرنسا لويس التاسع قائد آخر الحروب الصليبية الفاشلة و الذي آل به الأمر إثر هزيمته في سجن المنصورة , و بعد أن أمعن النظر في تلك الحروب التي كان هدفها الأول تنصير المسلمين قال : ( لا سبيل الى النصر والتغلب على المسلمين عن طريق القوى الحربيه لأن تدينهم بالإسلام يدفعهم إلى المقاومة و الجهاد و بذل النفس فى سبيل الله لحماية ديار الإسلام وصون الحرمات و الأعراض به . و المسلمون قادرون دوماً على الانطلاق من عقيدتهم إلى الجهاد و دحر الغزاة و إنه لابد من سبيل آخر و هو تحويل التفكير الإسلامى و ترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكري بأن يقوم العلماء الأوربيون بدراسة الحضارة الإسلامية ليأخذوا منها السلاح الجديد الذى يغزون به الفكر الإسلامي ) .
و من هنا بدأت فكرة الحروب السلمية , و بناء على ذلك ظهر عدد من المنصرين الكبار و الذين لهم جهود عِظام في مجال الاستشراق و التنصير لن ينساها لهم التاريخ الغربي , ثم تحول التنصير من جهود فردية لعمل مؤسسي تدعمه الحكومات و الكنائس و المنظمات و الهيئات مسخراً جهوده في خدمة الاستعمار لتحقيق أهدافه الدينية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية , و لم يألوا جهداً في ذلك و لن تنسى الجزائر شلالات الدم التي سالت إثر تحويل جامع كِتشاوة إلى كتدرائية ( كنيسة ) .
و تطورت جهود التنصير و تنوعت و أخذت مسلكاً ملتوياً عبر التعليم و الطب و أعمال الإغاثة للفقراء و المنكوبين و اللاجئين , قال المستشرق هاملتون جب : ( لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدرسة العصرية و الصحافة أن يترك في المسلمين و لو من غير وعي منهم أثرا يجعلهم في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد ) . و ربما قد سمع البعض من أجداده عن ذلك الذي كان الناس يسمونه بالشيطان و
الذي كان يتنقل بين مسقط و البصرة و البحرين التي استقر فيها فيما بعد لهدفه القبيح المُقَنَّع المُنَصِر و المستشرق الشهير صموئيل زويمر , و الذي قال في مؤتمر القدس التنصيري عام 1927 م : (( أتظنون أن غرض التنصير وسياسته إزاء الإسلام هو إخراج المسلمين من دينهم ليكونوا نصارى ؟ إن كنتم تظنون هذا فقد جهلتم التنصير و مراميه . لقد برهن التاريخ من أبعد أزمنته على أن المسلم لا يمكن أن يكون نصرانيا مطلقا ، و التجارب دلتنا و دلت رجال السياسة النصرانية على استحالة ذلك ، ولكن الغاية التي نرمي إليها هي إخراج المسلم من الإسلام فقط ، ليكون مضطرباً في دينه ، وعندها لا تكون له عقيدة يدين بها و يسترشد بهديها ، و عندها يكون المسلم ليس له من الإسلام إلا اسم أحمد أو مصطفى ، أما الهداية فينبغي البحث عنها في مكان آخر )) .
و كانت وصيته للمنصّرين بقوله : ( تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها ).
فلا بد من إماطة اللثام عن وجه الخديعة و إمعان النظر في قبحه و زيفه و قمع جهوده و اقتلاع جذوره من بلاد المسلمين و حلولنا مكانه سنداً لإخوتنا المنكوبين و المكلومين و المظلومين و المقهورين فلا تمتد لهم يد الفساد مستغلة عجزهم و قلة حيلتهم , و الحذر من العولمة و التغريب و سطوتهما في المجتمعات الإسلامية كي لا نكون ذلك الفرد الذي يقطع الشجرة .
وقفة …
قال المتنبي :
إذا رأيـــت نيوب الليــث بارزة فلا تظنـــن أن الليــث يبتســم.
بقلم : ميساء باشا
التعليقات
( تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها ).
الله يجزاك خير أخت ميساء
وفعلا هذا الواقع
اصحاب القنوات الهابطة هو من عِلية القوم !!! افلام ماتعرضها القنوات الماجنة الا بعد الساعة 12 بتوقيتهم بعد ماينام أطفالهم
وعندنا تعرض بعد الظهر بعد ماينام الوالدين بعد عمل شاق والاولاد عند الافلام الخليعة!!!
وتلفزيون الواقع وما ادرك نسخ ولصق من الغرب بايدي عربية تنتمي للإسلام !!
وزاد الطين بله الاجهزة الذكية وبرامجها والانترنت كذلك
والنفس الأمارة بالسوء
والشيطان
والفراغ والصحة
والمال ( حافز)
ولا حول ولاقوة الا بالله
اترك تعليقاً