البعض يولد حاملا للقب لم يضرب في كسبه فأساً و لم يركب في نيله فرساً لكني ولدت و ملايين مثلي بلقب أميرة و الكثيرات تُوِّجن بالملكية .
لا تستغربوا قولي صحيح لم أخاطب بصاحبة السمو لكن المنزلة الشرفية التي مُنِحناها كان السبب فيها خانة في شهادة الميلاد تقول : ديانة الأم والأب ( مسلم / مسلمة ) .
نعم المرأة المسلمة تولد أميرة بما كَفل الله لها من حقوق و بما شَرع لها من تشريعات تصونها و تحفظ لها حقوقها .
و لو تأملنا حولنا في الأمم هل من نسائهم من كُفِل لها نصيبا في الإرث كما كَفل عز و جل نصيب المسلمة أُماً جدةً أختا بنتاً زوجة و حفيدة ؟
بل و ميزها عن الرجل فأم الأم ترث حفيدها إن لم يكن له أم لكن أب الأم و هو زوجها ليس له نصيب من ميراث حفيده على الراجح من أقوال العلماء.
و لا يرث المرأة من الذكور إلا من فُرِض عليه حق النفقة لها إن احتاجتها .
أليس هذا تميُز ؟
نكاحها لا يُعقد بلا مهر قَلَّ أو كَثُر فهل من نساء الملل من كَفَل لها دينها حق كهاذا ؟
في الهند مثلا يدفع أهل العروس مالاً لأهل العريس يسمى ( ديهيج ) كي لا يعاملها أهل زوجها بقسوة و يبقى الأب يجمع لأبنته مالا منذ ولادتها استعداداً لزفافها فيدفعه لأهل الزوج أو يكتب لها قطعة أرض تصبح مُلكاً للزوج في ذلك اليوم و رغم أن الدولة أصدرت قانون بمنعه لكن الناس تتحايل في أخذه .
و في الغالب تكون المرأة ربة بيت و زوجها مسئول عن كامل نفقتها و كل احتياجاتها و لا تسقط نفقتها إلا بنشوزها .
و في بيت أهلها هي عندهم أكرم و أعز فقد أنهى الإسلام زمن الجهل المُظْلِم الذي توأد فيه البنات و بَشَّر صلى الله عليه و سلم وليها بقوله : (من عالَ جاريتينِ دخلتُ أنا وَهوَ الجنَّةَ كَهاتين وأشارَ بأصبُعَيْهِ ) رواه الترمذي في صحيحه عن أنس رضي الله عنه.
و فوق هذا وذاك فهي لا تمشي إلا مع حارس شخصي يصونها و يحفظها من تطفل كلاب البشر.
و لم يكن حجابها إلا عزاً لها فالزهر في البساتين يبقى متفتحاً يانعاً ما لم تقترب منه أنفاس الطامعين و من ذا الذي ينظر لزهر البساتين و لا يطمع بقطفه ؟
فكان هذا و ذاك صوناً لها و حفظاً و حماية و لو اطلعتم على إحصائيات العالم الغربي أو الشرقي الذي خرجت فيه المرأة من نطاق الحماية الرباني المتمثل في الحجاب و التستر لوجدتم أعداد هائلة من حالات الاغتصاب و التحرش , فأي البساتين أندى زهراً و أطيب ريحا؟
خلال الأيام الماضية تحولت جلسات النساء بل و الرجال لساحات حوار بين منددٍ و مؤيد للحدث المتوقع المترقب لتمرد الملكات و مطالبتهن بأسلوب فرض الواقع لما يصفنه حقاً في قيادة ذات الأربع عجلات , و رَفَع اللبراليون أصواتهم المناصرة لتحرير المرأة و التي سمعناها من قبل في مصر منذ أكثر من مئة عام على يد قاسم أمين و سعد زغلول و غيرهما داعية النساء لنزع الحجاب ذلك الحدث الذي غير في ثقافة المجتمعات العربية و كان ذلك التغيير ثوري على المجتمع الإسلامي الأصيل في مصر أم العلوم صاحبة الأزهر حامل لواء الدين .
و من المحزن المبكي أن اساليب المؤيدين كانت أنجح من المخالفين فعلى سبيل المثال مقاطع الكيك و التعليقات الساخرة التي شكلت سلوكاً لا إنساني جعلت العديد من الأميرات ( الفتيات في مرحلة الشباب ) ينتابهن شعور بالانتقاص و الذي مع الأسف له دور كبير في دفعهن لمظلة اللبراليين ذوي الأسلوب المساند الحاني , و الذي قال عنهم صلى الله عليه و سلم محذراً منهم و أشباههم بقوله : (إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم بعدي كلُّ منافقٍ عليم اللسانِ ) رواه الهيثمي عن عمر رضي الله عنه .
و أقف هنا وقفة المتأمل المستقرأ بلا تأييد أو مخالفة فلا تستغربوا كلامي فالسبب الرئيس لهذه المسألة بالذات و الذي فتح المجال للبراليين في تشييد حصون تحرير المرأة بدعوى تصحيح وضعها و إعطائها حقوقها هم أنتم أيها الرجال يا من قال لكم صلى الله عليه و سلم موصياً : (استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا ؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَعٍ ، وإنَّ أعْوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلَاهُ ؛ فإنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كسرْتَهُ ، وإنْ تركتَهُ لمْ يزلْ أعوَجَ ؛ فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا) رواه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه , فقد بدأ بها و ختم مما يدل على أهمية تلك الوصية .
و الذي قال لكم : (كلُّكم راعٍ و مسئولٌ عن رعيتِه ) فيما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه .
فماذا فعلتم في ما أُمِرتم به ؟؟
اليوم نجد الكثير ممن أُعطي حق الولاية بين مسيءٍ لاستخدامها و بين مفرط لواجباته ممجداً لحقوقه .
فتلك الأم مال عنها ولدها لزوجته فتركها وحيدة لا تجده بجانبها عندما تحتاجه و هي التي كانت له ظلاً و سنداً و مأوى عند الشدائد .
و تلك الأخت لم تتزوج و تقطن وحدها لا يتذكرها أخ فيحضر لها خبزاً.
و تلك الزوجة تحتاج الطبيب أو الذهاب للعمل أو حتى السوق فلا تجد منك يا أيها الرجل سوى المماطلة في المواعيد و التأخُر عن دوامها و ربما تمكن منها المرض .
ناهيك عمن يعضِلُها أو يحرِمُها إرثها و حدِث ولا حرج , و تبعاً لقانون نيوتن الثالث القائل بأن : ( لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ) فلا تتعجبوا ردود أفعال النساء .
المشكلة ليست مشكلة من يمسك بمقود ذات الأربع عجلات , إنما من تبنى الجانب العلمي و الفكري و الثقافي من المستشرقين و من تبنى الجانب الاجتماعي من المنصرين فلم يعد الاستعمار المباشر جانباً تنفيذياً يعينهم في إحداث تغيرات في المجتمعات الإسلامية و العربية بالذات فكانت زراعة شجرة التغريب أنجع وسيلة لتحقيق الهدف المتمثل في إحداث التغيير الاجتماعي بها و كانت وسائلهم هي القرار السياسي و لا زالت سواء كان مباشراً أو غير مباشر بدعوى الاقتصاد على سبيل المثال و ليس تغيير عطلة نهاية الأسبوع عنا ببعيد فللاقتصاد سلطتهُ الضابطة و الضاغطة على جميع الأصعدة .
و الآن من ينظر نظرة ثاقبة في وضع العالم العربي و أحداثه المتسارعة يجد أنهم نجحوا في جعل المجتمع يقوم بدفع الدولة للقيام بالقرار سياسي الهادف للتغيير الاجتماعي بدعوى الديمقراطية .
و الذي هو خلاف المعتاد منذ بدايات الهجوم على المجتمعات الإسلامية القائم على دفع الحكومات لعمل قرار سياسي بهدف تغيير اجتماعي .
و الآن و قد أينعت شجرة التغريب و تشعبت جذورها و تفرعت أغصانها و نضج من ثمرها مفكرون علمانيون و لبراليون المظهر مظهر الولد الودود و القلب قلب العدو اللدود , خيره لغير أهله و فكره من عقل غيره فنعم العدو الذي نرضعه فينهش ثدي أمه مُقَطِعا .
و قد بقيت بلادنا عَظْمةً في البلعوم و دراساتهم أفادت أن المرأة في السعودية متدينة جداً رغم وجود مظاهر لإتباع الهوى لدى الكثيرات لكن الزَّبد يذهب جُفاءً و هذا واقع فكم من عالم كانت أمه دافعه ليكون عالم , و كم من أخت ذَكَّرت أخاها عند الزلل , و كم من زوجة كانت بحق نصف دين الرجل .
تحزن فتلجأ لله في غسق الدجى .
يضيق صدرها فتمسك بكتاب الله تالية .
تفرح فتُخْرِجُ من مالها متصدقة .
تخاف فتُحَصِنُ بيتها و أهلها بالأذكار و الأوراد .
و محاولاتهم الحثيثة لتغييرها بفعل مؤثرات شديدة السطوة :
1- أولها الإعلام , و من الطريف أن بعض النساء عند بدايات البث التلفزيوني عام 1385هـ كُنَّ يرتدين حجابهن عند ظهور المذيع على الشاشة الصغيرة و رغم طرافة الأمر إلا أنه يثبت نقائهن و حرصهن على أمر ربهن .
2- تعزيز النزعة المادية و رفع مستوى المعيشة من حيث التكلفة فتضطر المصونة للعمل لتعول نفسها و توفر بعض من وسائل الترف التي باتت من أساسيات الحياة , و من الطريف أن بعض المراهقات من الأفارقة يقمن بالعمل في البيوت لشراء جهاز ipad , و المعتاد أن المرأة تعمل من أجل رقي المجتمع و سد حاجاته من ناحية التعليم و الطب و ملحقاتهما مما لا غنى عنه فهو متعلق بحفظ النفس و العقل .
نعم المرأة المسلمة عبر التاريخ سَلَكت طريق التجارة لكنها كانت العقل المدبر و لديها من هم أدوات للتنفيذ .
و لا نُغْفِل دورها كعالمة يأخذ عنها حتى الرجال و أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خير مثال لذلك .
و بهذه النزعة سار عمل المرأة في غير طريقه لتصبح محاسبة في السوبر ماركت لسد حاجاتها الأساسية و الكمالية على حد سواء .
و عند بعض الفئات المتعلمة أو الغنية برزت في سياق نفسي متمثلة في إثبات الذات.
و مع وجود عجز الولي في القيام بتوفير احتياجات المرأة من جهة و تحقيق التكافل الاجتماعي المناط به من رعاية والديه و ذوي القربى و لا ننسى أيضا رغبته في تعزيز موقفه الاقتصادي ليثْبِت ذاته هو الآخر و هو أصل عند الذكور و كما يقول العامة : ( المال عضيد الروح ) كان لا بد من معاونة المرأة في توفير متطلبات الحياة .
3- ترويج فكرة الاستغناء عن الرجل الذي يحمل طابع التسلط في كثير من الفئات المجتمعية والآخر المتشبع بضريبة المدنية بجميع وجُوهِها و ضغوطها للبحث عن مخرج مع صعوبة توفير سائق يعينه لما لذلك من تبعات اقتصاديا و اجتماعيا .
و إذا عُرِف السبب بَطُل العجب .
و السؤال الذي يطرح نفسه هل المسألة مسألة قيادة سيارة أم هي البداية في دفع المرأة للتدرج في التخلي عن منصبها الملكي و حرسها الخاص فتصبح كغيرها من عموم نساء الأرض ؟
و هل سيتغير التركيب الاجتماعي و الثقافي للدولة ذات النظام الإسلامي الوحيد في الحكم أم أن مجتمعاتها ستفطِن للأهداف أعدائها الساعية لإفسادها تمهيدا للتخلص منها , و هل سندعم الهجوم الغربي من الداخل ؟
همسة …
يقول ابن القيِّم: (الفِكْر هو الذي ينقل من موت الفِطْنَة إلى حياة اليَقَظَة ), فالغفلة هي الداء العضال .
التعليقات
اترك تعليقاً