في تراثنا الحجازي الكثير من الحكايات و الألغاز المسلية و من حِس الدعابة أن يتضمَّن السؤال الجواب الذي يَعْقبه لفظ ساخر , و لا زلت أذكر الغز الذي كانت جدتي تقوله لنا : ( قطعة من النجار و قطعة من الجزار و قطعة من الحداد طار طار افهم يا … ) , و اتوقف عند اللفظ الساخر حياء منكم , و قد بقيت أتعجب زمناً لماذا كنا نغضب عند نعتنا بالحمار رغم أن الخليفة مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين لُقِب ” بالحمار ” لعظم صبره على ما اصابه فقد تعقبه العباسيون من بلد إلى بلد حتى قُتل.
و ترفعا عن السخرية افضل اسلوب التعزيز المعنوي .
ربما يستغرب البعض اسلوب الطرح لقضية اليوم و التي اينعت مع بداية أول أيام شهر ربيع الأول في كل عام غير أنها هذا العام أخذت طابعاً جديدا يحمل في طياته كثيراً من التلبيس كتلفيق أقوالٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية تُظهر موافقته على هذه البدعة مما سهل كشف التلبيس فمن المعروف أن شيخ الإسلام هو عدو الصوفية اللدود الذي كادوا له عند الحكام فكاد الله له كيداً أعظم من كيدهم بظهور علمه و بقائه مشكاة كغيره من علماء أهل السنة و الجماعة الصناديد , و الحقيقة لقد أمضيت أسبوعا كاملا في أخذ و رد حول هذا الموضوع فقررت طرح المسألة كعرض تاريخي استقرائي للكليات مع النقد التفصيلي للجزئيات لأصل و إياكم للإدراك الصحيح بعد إعمال النقل و العقل ممسكة عن الجدال خشية سوء المآل , و لا ألوم الناقل إلا على عدم تثبته فالمسلم أمره مبني على اليقين أو غلبة الظن أما ما دون ذلك فليس له اعتبار البتة .
إن الله تعالى أكرمنا بدين ليس كغيره من الأديان و بنبي ليس كغيره من الأنبياء صلى الله عليه و سلم و على كافة الأنبياء و المرسلين فلو قضينا الدهور لله حمدا و شكرا و لنبيه صلاة و سلاماً لم نوفي الله شكر و لا نبيه هادينا و شفيعانا صاحب الحوض المورود سقانا الله و إياكم منه شربة بيديه الشريفتين .
لكن هل من المنطق أن يكون شكري محصوراً في يوم واحد ؟
هل يكفيني أن أترنم بسرد سيرته بأبي هو و أمي ؟
إن حب الرسول صلى الله عليه و سلم جزء لا يتجزأ من الدين و محبة الله تعالى تتضمن حبه صلى الله عليه و سلم و لا يتحقق مقتضى الشهادتين إلا بحبه عليه الصلاة و أتم التسليم .
عن أبو هريرة قوله صلى الله عليه و سلم : فوَ الذي نَفْسي بيدِه ، لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِه وولدِه .رواه البخاري , و لكي نحقق معنى شهادة أن محمد رسول الله لا بد من أمور . طاعة و تصديق و محبة و موافقة . فلا نعبد الله بغير ما جاء به الحبيب صلى الله عليه و سلم و من جازف و اخترع من عنده في العبادة من شيء فقد ضل و أضل , و الله تعالى قال في كتابه : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينً . المائدة 3.
و قالت الصديقة بنت الصديق أن سيد الخلق صلى الله عليه و سلم قال : من عمل عملًا ليس عليه غيرُ أمرِنا فهو رَدّ)ٌرواه مسلم.
فكيف نضيف علي دين الله التام الكامل شيء من عندنا ؟
أم نتهم سيد الخلق بنقص التبليغ , أم نتهم صحبه بالتقصير في نقل السنة ؟
أم ندعي أن حُبنا لله و رسوله أعظم من حبهم لله و رسوله ؟
و هم من قال عز و جل فيهم : مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً . الفتح 29 .
و هنا لا بد أن نتنبه لحدود الحب الذي لا غلو فيه غلو اليهود و النصارى فقد روى الألباني في صحيح الجامع عن عائشة و عن أبي هريرة رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه و سلم في مرض موته : لعنَ اللهُ اليهودَ و النَّصارَى ، اتخذُوا قُبورَ أنْبيائِهمْ مساجِدَ .
و قد نقل المؤرِّخ النّجديّ عثمان ابن بشر في «عنوان المجد في تاريخ نجد»( 1/36 ) أنَّ الشّيخ محمّد ابن عبد الوهّاب يرحمه الله وقف يومًا عند الحُجرة النَّبويّة عند أُناسٍ يدعون ويستغيثون عند قبرِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلم فرآه شيخه الشيخ محمّد حياة سندي يرحمه الله تعالى فأتى إليه وقال ما تقول في ما يصنع هؤلاء ؟ قال : إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ , ففرح الشيخ محمد حياة برد تلميذه . و سواء كان الغلو عند الحجرة النبوية أو بابتداع الاحتفال بالمولد النبوي فهو داخل في النهي .
و هنا قد يقول قائل بأنه صلى الله عليه و سلم كان أول المحتفلين , فهل احتفل صلى الله عليه و سلم حقا بيوم مولده ؟
لقد استدل البعض على قول الرسول صلى الله عليه و سلم عندما سُئل عن صوم يوم الاثنين : ( ذاك يومٌ وُلدتُ فيه . ويومُ بُعثتُ ” أو أُنزلَ عليَّ فيه ” ) رواه مسلم , و بفضل يوم الجمعة واستحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه.
لكن هل هذا فعلا دليل على أنه بأبي هو و أمي احتفل بمولده ؟
لقد رد العلماء على هذا القول بردود أختصرها بأن هذه الأحاديث تدل على :
أولا : فضل هذه الأيام فقط دون غيرها.
ثانيا : صفة العبادة المشروعة فيها من صوم وذكر وصلاة وليس فيها احتفالات .
كما أنه صلى الله عليه و سلم لم يقل يوم ولدت فيه و سكت و إلا لِمَا لم يخصص يوم الاثنين أو أيام الاثنين في شهر ربيع الأول الذي يقولون أنه ولد فيه من باب أولى؟
و عودا على تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وسلم فهل ثبت تاريخ معين لمولده صلى الله عليه وسلم ؟
لقد اختلف العلماء في تحديد اليوم الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم بل و حتى الشهر فلم يثبت تاريخيا متى كان ذلك تحديداً , لكنهم اتفقوا على تاريخ مصابنا بفقده صلى الله عليه وسلم و انتقاله إلى جوار ربه عز و جل في الثاني عشر من شهر ربيع الأول للعام الحادي عشر من الهجرة النبوية. فهل نحن نحتفل بمولده أم بوفاته ؟
و السؤال الذي يطرح نفسه متى و أين و كيف نشأت بدعة الاحتفال هذه ؟
لقد قام الخليفة المعز الفاطمي ( و الفاطميين هم اصحاب العقيدة الإسماعيلية الباطنية الشيعية ) في القرن الرابع الهجري بابتداع الاحتفال بالمولد النبوي لأغراض سياسية فقد كان أهل مصر سنة و أراد أن يجعلهم يتقبلوه حاكماً بإيجاد نقطة اتفاق معهم و هي حب الرسول صلى الله عليه و سلم و كان يقيمه مرة في الثامن من الشهر و مرة في الثاني عشر , و لم تُعرف هذه البدعة إلا في مصر و استمرت قائمة فيها زمن دولة الفاطميين لا تُعرَفُ إلا عندهم ، حتى تسربت في القرن السادس الهجري لأحد أمراء الدولة الأيوبية وهو المظفر أبو سعيد بن زين الدين كوكبري صاحب مدينة أربل ، و قد كان له ميل شديد للصوفية ، فادخل عليه أحدهم هذه البدعة التي كانت من بدع الشيعة و الصوفية .
إن هذا السرد التاريخي المبسط يؤكد أن الصحابة رضوان الله عليهم و التابعون و أتباعهم من اصحاب القرون الثلاثة الذين قال عنهم صلى الله عليه و سلم : ( خيرُ القرونِ قرني الذي بعثتُ فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) “رواه ابن تيمية في مجموع الفتاوى” لم يحتفلوا به مطلقا.
بقيت علينا جزئية و هي أن بعض العلماء ممن كان لهم ميل للتصوف قد استحسن الاحتفال به و لكنهم جميعا اعترفوا بأنه أمر مُحدث لم يَقُم به الرسول صلى الله عليه و سلم و لا صحابته رضوان الله عليهم و لا التابعين و تابعيهم بما فيهم الأئمة الأربعة جزاهم الله عنا خير الجزاء و قد انتقدهم علماء عصرهم و ردوا عليهم و البدعة بدعة في العبادات لأنها توقيفية .
و قد قال الإمام مالك يرحمه الله تعالى : “كلٌ يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر ” يعني الرسول صلى الله عليه و سلم.
و كفى بهذا الفكر زوراً أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها أكبر مركز أبحاث للصوفية و تقوم بدعمه بقوة و قد اثبتت دراسات المستشرقين أن دعم هذا المذهب من أنجح طريقة إخراج المسلمين عن دينهم الصحيح .
فيا من تحب محمداً
كن به مقتدياً
و لسنته مطبقاً
لا تخالفه ولا تبغي غير شرعه حكما .
ختاما :
إن هذا دينٌ دين فافهم يا فطين .
كتبته : محبتكم في الله راجية رضاه ميساء بنت حسين باشا .
التعليقات
والشيء بالشيء يذكر
فقد استخدمت الحمير في فترة من الفترات بعد تدريبها لتهريب الحشيش على الحدود بين دولتين واذكر فيما يذكر البعض أن أجدادنا في السابق كانوا يرسلون الحمار من المزرعة ليجلب لهم غداءهم من البيت مما يدل دلالة واضحة على أنه حتى الحمير ومهما بلغ بها من الغباء إلا أنها تعي وتفهم ما يراد منها في انجاز العمل .
وقد ذم الله اليهود والنصارى في حملهم العلم دون العمل به ولم يصدقوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بل أنكروا بعثته بالرغم من ذكره في كتبهم في قوله تعالى (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) والأسوأ من ذلك أن يدرك قوم هذا الدين ويصدقوا بما جاء به نبيهم من الوحي في قوله سبحانه ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ثم يكذبوه بالابتداع فيه فهل يدرك القوم أنه كلما أحيوا بدعة أماتوا سنة .
اترك تعليقاً