في مناسبة بهيجة حضرتها قبل عدة أيام لأناس عادوا الى الحياة ورأوا النور وانغرس الأمل في قلوبهم بعدما أظلمت الدنيا في أعينهم وأوصدت الأبواب في وجوههم ، حيث نبذهم القريب وخاف منهم البعيد ، هذه الفئة التي عادت إلى الحياة هم من بني جلدتنا وأبناء وطننا الحبيب ، غرر بهم شياطين الأنس حتى أوقعوهم في وحل المخدرات، ولكنهم ولله الحمد تم انتشالهم من مستنقع الإدمان الآسن إلى ضفاف الأنهار المشرقة، فما أجملها من لحظات عندما ترى متعافياً قد أعطي جرعات من الأمل بعد أن تم إنقاذه من هذه الآفة من خلال مراحل متعددة من العلاج البدني والنفسي والتأهيلي بعد أن عاش حينا من الدهر في التيه والضلال، وقد أغلقت أمامه كل الأبواب فتلقفه رفقاء السوء الذين أفقدوه عقله وجعلوه على هامش الحياة فأصبح عالة على أهله والمجتمع ووطنه بعدما كان عزيزا في قومه ، كانت بدايتها جرب ولن تندم وأغروه بالسعادة الوهمية حينما قالوا له سوف تكون أسعد الناس على وجه الأرض، وهكذا تعاطى حبة بعد حبة حتى تمكن منه ذلك الشبح وانقض على جسده وتمكن منه ، فاحتار ماذا يفعل؟! لم يكن في مخيلته إلا إكمال مابدأه لأنه يرى فيه نجاته كلما تعاطى ذلك المخدر شعر بالسعادة المزيفة، وبسبب إدمانه فقد وظيفته وتفككت أسرته وازداد الحال سوءا ونكص على عقبيه فأصبح هائما على وجهه بلا عقل ، وجسد بلا روح يغدو ويروح تائها لايعرف الأيام ولا جماليات الحياة مايعرفه فقط هو ذاك المخدر الذي تعلق به وما علم أن ذلك دماراً وضياعا وبؤسا ونكداً في حياته ، فلا هم له سوى البحث عن هذا المخدر بأي وسيلة حتى بلغ به إلى أن يبيع كل مايملك حتى يحصل عليها في بيئة سوداء قاتمة ورفقاء سوء يعززون له تلك الفكرة ، فترك قيمه الاجتماعية والإسلامية، وابتعد عن ربه وما يقربه إليه فتلقته الشياطين حيرانا فهو فريسة سهلة لهم ، فصار متعدي الضرر ليس بإرادته فهو إنسان لطيف على الفطرة ولكن ما يأخذه من مخدر أورثه تلك العدائية ، والإضرار بالغير، وعلى الرغم من التأثير الكبير لهذه الآفة إلا أنه كان يبحث عن سفينة النجاة متى ستبحر ويركب معها إلى بر الأمان ، فيقذف الله في قلبه الهداية ويسخر له الدلالة ويمكن له من يحتويه، فكان هذا التفكير هو البداية القويمة لتصحيح مساره وانفراج كربه .
حينما حضرت تلك المناسبة لجمعية إشراقة بالرياض المشاركة في مبادرة تكاتف التي كانت استجابة للحملة الوطنية لتعزيز حصانة المجتمع ضد آفة المخدرات ودشنت تلك المبادرة من أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر وكانت بمشاركة وتكاتف الجمعيات: عناية وإشراقة ووعي والمجلس التخصصي للجمعيات الصحية والجمعية السعودية لعلاج الإدمان وبمباركة ودعم من المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، تلك المبادرة احتضنت ذلك المدمن وأشعرته بالحنان وأن الحياة جميلة ومفعمة بالحب والعطاء والعمل الصالح يقول بعض ممن ابتلي ونجح في الإقلاع عن هذه الآفة بفضل من الله عز وجل ثم بالجهود المبذولة ماكنت أتوقع أن هناك من يحبني ويحتويني، ماكنت أتوقع أن أخرج من تلك البراثن والحياة السيئة ،هذا المريض قد خضع لبيئة آمنة مدتها ستة أشهر تنقل فيها بين أخصائي نفسي وسلوكي واجتماعي وأسري وزرع للقيم الإسلامية وعاش في بيئة آمنة تأتيه النكسة (الرغبة الجامحة للعودة للإدمان) ثم يعود لبر الأمان ذاق طعم العافية فلا رجعة بعد اليوم ، وهكذا ولد من جديد وبدأ في التعافي وعاد جسده كما خلقه الله بعد سحب السموم منه طبيا وتأهيله سلوكيا، وعاد إليه كل من نفر منه ، وبدأت عليه علامات السعادة والسرور فبعد أن كان عابسا منبوذا أصبح مبتسما ضاحكا مقرباً يعيش حياة كريمة ومستقيمة مع أسرته ومجتمعه ووطنه ، فحينما يقارن بين حياته قبل وبعد الشفاء تنسكب عبراته على ما مضى كيف كان رهينة مخدر أنهكه وجعل منه بؤرة فساد فيحمد الله على ما من عليه بالشفاء ولسانه يلهث بالشكر على ما سخرته له دولتنا الرشيدة ـ أيدها الله ـ من إمكانات ساهمت في علاجه وعلاج أبنائها عبر المراكز الطبية والبيئات الآمنة في الجمعيات غير ربحية ، وهنا تنتهي قصتنا برحلة ذلك البطل الشجاع الذي انطفأ النور في قلبه من مرض الإدمان إلى متعافٍ يشعر بالفخر لكونه أصبح إنساناً منتجاً و مفيدا لأهله وأمته بعد أن أصبحت المخدرات في شريط ذكرياته جزءاً من الماضى وكابوساً ودعه للأبد ، قصة جميلة سطرها متعافي بقوته وإرادته لاتسعه الأرض بمارحبت من الفرحة عندما عاد الى الحياة.
اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين من إدمان المخدرات واحفظ بلادنا من كيد الكائدين وحقد الحاقدين
التعليقات
اترك تعليقاً