الاتساق أهم ام الكمال؟
في بيئة العمل اليوم، يتكرر سؤال جوهري:
هل نسعى للوصول إلى الكمال في كل عمل نقوم به؟
أم نركز على الاتساق والثبات في الأداء والسلوك؟
الحقيقة أن الكمال لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى:
قال تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” [الشورى: 11].
فالبشر بطبيعتهم ناقصون، يسعون للتطور، ويتعلمون من التجربة والخطأ.
دروس من الدين الإسلامي في الاتساق
الدين الحنيف أكد على قيمة الاستمرارية والاتساق في العمل أكثر من البحث عن الكمال المؤقت:
1. الثبات على العبادة: قال ﷺ: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” [رواه البخاري ومسلم]. الاتساق هنا هو سر القبول والنجاح.
2. الاستمرارية في الخير: الصدقة القليلة المستمرة أعظم أثرًا من صدقة كبيرة تنقطع.
3. التدرج في التشريع: حتى نزول القرآن كان منجّمًا ليواكب قدرة الناس على الاتساق في التغيير، لا الكمال المفاجئ.
وهذا يؤكد أن الثبات والاتساق أهم عند الله من السعي وراء الكمال اللحظي.
مفهوم الكمال (Perfectionism)
الكمال يعني السعي وراء نتيجة مثالية بلا أخطاء. قد يبدو هدفًا رائعًا، لكنه في الغالب يقود إلى:
• تأجيل العمل بحجة انتظار “الأفضل”.
• بطء في التطوير وصعوبة في التكيف.
• ثقافة عمل يسيطر عليها الخوف من الفشل.
مثال عملي: موظف يراجع تقريره عشر مرات خوفًا من خطأ صغير، فيتأخر تسليمه وتضيع فرصة اتخاذ القرار.
مفهوم الاتساق (Consistency)
الاتساق يعني القدرة على تقديم أداء ثابت وموثوق عبر الزمن، حتى مع وجود بعض الأخطاء البسيطة.
• يبني الثقة بين الأفراد والإدارات.
• يتيح فرصًا دائمة للتحسين.
• يخلق ثقافة نمو وتجريب بدل الجمود.
مثال عملي: موظف يلتزم برفع تقرير أسبوعي في موعد محدد، حتى لو احتوى على بعض الملاحظات، مما يضمن استمرار تدفق المعلومات وتحسينها تدريجيًا.
الفرق بلغة بسيطة
• الكمال: البحث عن المثالية المفقودة يقود للتأجيل والتردد.
• الاتساق: العمل بثبات وتدرج يقود للتحسن والنمو بمرور الزمن.
لماذا نحتاج الاتساق أكثر في رأس المال البشري؟
1. التحسين المستمر: الكمال يوقف النمو، بينما الاتساق يفتح الباب لتطوير تدريجي متواصل.
2. إدارة التغيير: الاتساق يجعل المنظمة أكثر مرونة، بينما الكمال يخلق مقاومة.
3. الثقة المؤسسية: الموظفون يثقون في السياسات حين تُطبق باستمرار، لا حين تكون مثالية على الورق.
أمثلة عملية من رأس المال البشري
• التوظيف: البحث عن المرشح المثالي قد يستغرق شهورًا، بينما الاتساق في تطبيق معايير واضحة يضمن جذب الكفاءات باستمرار.
• التطوير: برنامج تدريبي مثالي قد لا يُطلق أبدًا، بينما ورش عمل متكررة ولو بسيطة تترك أثرًا كبيرًا بمرور الوقت.
• الأداء: جلسات متابعة ربع سنوية منتظمة أكثر فاعلية من تقرير “مثالي” يصدر مرة واحدة في السنة.
مرحلة الكمال: وهم أم حقيقة؟
حتى لو وصلنا إلى ما نعتقد أنه “الكمال”، فهي حالة مؤقتة يصعب الحفاظ عليها.
وفي هذه المرحلة تتوقف فرص التطوير تقريبًا، لأن أي تعديل يُعتبر تهديدًا للكمال ذاته.
بالمقابل، الاتساق يمنحنا بيئة تسمح بالتحسين والتجريب باستمرار.
الخلاصة :
الكمال قد يكون هدفًا نبيلًا، لكنه في الواقع يعيق التطوير ويقتل المرونة خصوصاً في المنظمة الناشئه .
بينما الاتساق هو الوقود الحقيقي للنجاح المستدام، وهو ما يجعل أي مؤسسة قادرة على النمو والتطور بمرور الزمن.
في إدارة رأس المال البشري ، النجاح لا يُقاس بمدى الكمال، بل بمدى الاتساق الذي نمارسه يوميًا .
